في ساحة معركة رقائق الذكاء الاصطناعي التي تشتعل تنافسية يوماً بعد يوم، وحيث تتربع شركة إنفيديا الأمريكية على عرش لا ينازعها فيه أحد تقريباً، تبرز الآن خطوة جريئة من عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي. هل يمكن لشركة واجهت أعتى القيود التجارية والتكنولوجية أن تطور معالجاً قادراً على كسر هذه الهيمنة؟ الأنباء الواردة تشير إلى أن هواوي لا تختبر فقط معالجاً جديداً، بل تختبر حدود الصمود التكنولوجي وتطلق شرارة قد تعيد تشكيل موازين القوى في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي. إنها قصة طموح تكنولوجي، وصراع جيوسياسي، وبحث مستمر عن بدائل محلية في قلب الثورة الصناعية الرابعة. فما هو هذا المعالج الجديد، وهل يملك القدرة حقاً على تغيير قواعد اللعبة؟
طموح “أسند 910 دي”: بديل صيني في قلب سباق الذكاء الاصطناعي
تفيد التقارير، وعلى رأسها ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، بأن شركة هواوي تكنولوجيز تعمل بنشاط على اختبار معالج هواوي للذكاء الاصطناعي الجديد الذي يحمل الاسم الرمزي “أسند 910 دي” (Ascend 910D). لا يُنظر إلى هذا المعالج على أنه مجرد ترقية لمنتج سابق، بل كخطوة استراتيجية طموحة تهدف إلى تقديم بديل حقيقي وقوي لرقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تنتجها شركة إنفيديا، والتي تهيمن حالياً بشكل شبه كامل على سوق تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة (LLMs) وتطبيقات الحوسبة عالية الأداء. تسعى هواوي من خلال هذا المعالج إلى تلبية الطلب المتزايد داخل السوق الصينية الضخمة على قدرات معالجة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وهو طلب تصاعد بشدة مع القيود الأمريكية التي حدّت من وصول الشركات الصينية إلى أحدث رقائق إنفيديا. ووفقاً للمصادر المطلعة، بدأت هواوي بالفعل بالتواصل مع عدد من شركات التكنولوجيا الكبرى في الصين لدعوتها لاختبار أداء وجدوى رقاقة Ascend 910D الجديدة في بيئات تشغيل حقيقية، في خطوة تهدف لتقييم قدراتها التنافسية وجمع الملاحظات اللازمة لتحسينها قبل أي طرح تجاري واسع النطاق.
تحدي القيود الأمريكية: مرونة قطاع أشباه الموصلات الصيني
يأتي تطوير واختبار معالج هواوي للذكاء الاصطناعي الجديد “أسند 910 دي” في سياق بالغ الأهمية، حيث يُظهر بوضوح مدى المرونة والقدرة على التكيف التي يتمتع بها قطاع أشباه الموصلات الصيني في مواجهة التحديات الجيوسياسية والقيود التكنولوجية الصارمة. لقد فرضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بدءاً من إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، سلسلة من القيود التي استهدفت بشكل مباشر قدرة الشركات الصينية، وعلى رأسها هواوي، على الوصول إلى التكنولوجيا والمعدات الغربية المتقدمة اللازمة لتصنيع الرقائق المتطورة، بما في ذلك برمجيات تصميم الرقائق ومعدات الطباعة الحجرية فائقة الدقة (EUV). كان الهدف المعلن لهذه القيود هو إبطاء التقدم التكنولوجي الصيني، خاصة في المجالات الاستراتيجية كالذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة. ومع ذلك، فإن التقدم الذي تحرزه هواوي في تطوير معالجات قوية مثل Ascend 910D، والذي يأتي بعد نجاحها في إطلاق معالج Kirin المتقدم لهواتفها الذكية بالتعاون مع شركة SMIC الصينية، يُعتبر دليلاً ملموساً على أن هذه الجهود لم تنجح تماماً في عرقلة الطموحات الصينية. بل ربما دفعت هذه القيود بكين وشركاتها إلى تسريع وتيرة الاستثمار في البحث والتطوير المحلي وبناء سلسلة توريد ذاتية الاكتفاء في مجال أشباه الموصلات الصينية الحساس.
الطريق نحو المنافسة: اختبارات وتوقعات مستقبلية
على الرغم من التقارير الواعدة حول معالج هواوي للذكاء الاصطناعي “أسند 910 دي”، تؤكد المصادر أن المشروع لا يزال في مراحله الأولية نسبياً. إن الانتقال من مرحلة الاختبارات الأولية إلى مرحلة الإنتاج التجاري والاستخدام الواسع النطاق هو مسار محفوف بالتحديات ويتطلب اجتياز سلسلة معقدة من التقييمات والاختبارات الدقيقة. يجب على هواوي وشركائها تقييم أداء المعالج الجديد مقارنة بمعالجات إنفيديا المهيمنة ليس فقط من حيث سرعة المعالجة الخام، ولكن أيضاً من حيث كفاءة استهلاك الطاقة، والتوافق مع أطر العمل البرمجية المختلفة المستخدمة في تطوير الذكاء الاصطناعي، ومستوى الموثوقية عند التشغيل لفترات طويلة تحت ضغط عالٍ. علاوة على ذلك، تواجه هواوي تحدياً كبيراً في بناء نظام بيئي برمجي منافس لمنصة CUDA من إنفيديا، والتي تعتبر معياراً صناعياً وتتمتع بدعم واسع من المطورين. ومع ذلك، إذا نجحت هواوي في تجاوز هذه العقبات وتمكنت من تقديم Ascend 910D كبديل تنافسي، فقد يكون لذلك تأثير كبير على سوق رقائق الذكاء الاصطناعي، على الأقل داخل الصين مبدئياً، مما يقلل الاعتماد على إنفيديا ويعزز قدرات بكين في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.


